خوان غوايدو وصفعة الغرب
تنطبق على خوان غوايدو، مقولة الزعيم السوفياتي الراحل نيكيتا خروتشوف: "عندما يصفّق لي الغرب، أعرف أنَّني اقترفت خطأ فادحاً".
-
لم يترك غوايدو الذي نصّب نفسه رئيساً مؤقتاً لفنزويلا مناسبة إلا ودعا فيها الغرب إلى شن عمليةٍ عسكريةٍ على بلاده
يُروى عن نابليون بونابرت بعد خسارته الحرب مع النمسا في معركة أسبرن، أنه اهتدى إلى فكرةٍ استخباراتيةٍ مفادها البحث عمن يدلّه على مواطن الضعف في الجيش النمساوي. وبعد جهدٍ جهيدٍ، وجد الفرنسيون مهرّباً نمساوياً يعمل على الحدود، وعرضوا عليه مبلغاً من المال مقابل مدّهم بمعلومات متعلّقة بجيش بلاده.
نجح الجاسوس في مهمته، وانتصر الجيش الفرنسي في المعركة. وعندما أُدخل الخائن إلى الإمبراطور الفرنسي، طلب مصافحته، فما كان من نابليون بونابرت إلا أن رمى المال في وجهه، وقال له: "لا يشرّفني أن أصافح خائناً لوطنه". عندها، تعجّب الحاضرون من رد فعله، فقال لهم: "الخائن لوطنه كالسارق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا يسامحه أبوه، ولا تشكره اللصوص".
ينطبق هذا المثل على الرئيس السابق للجمعية الوطنية الفنزويلية، خوان غوايدو، الذي أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخراً سحب الاعتراف به كرئيس مؤقت لفنزويلا، بعد الانتخابات التي فاز بها التيار البوليفاري بزعامة الرئيس الفنزويلي الحالي نيكولاس مادورو.
لم يترك غوايدو الذي نصّب نفسه رئيساً مؤقتاً لفنزويلا مناسبة إلا ودعا فيها الغرب إلى شن عمليةٍ عسكريةٍ على بلاده للإطاحة بنظام الحكومة البوليفارية، وأعلن تأييد سياسة العقوبات ضد فنزويلا، ناسياً أو متناسياً أن مثل هذا الغزو والعقوبات قد يزجّ البلاد في أتون حرب أهلية، سيكون المتضرر فيها هو الشعب الفنزويلي في الدرجة الأولى.
كما حاول القيام بانقلاب عسكري بمعية مجموعة من العسكريين للاستيلاء على السلطة، لكن تم إحباط العملية الانقلابية والقبض على العسكريين المتورطين، رغم الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي تلقاه من الولايات المتحدة الأميركية.
في الواقع، ما كان غوايدو ليقدم على هذه الأفعال لولا اطمئنانه إلى الحماية الأميركية والدّعم السياسي والدبلوماسي، بيد أنّ جهله بالواقع الدولي والمتغيرات التي طرأت على بنية النسق الدولي، ببروز قوى عالمية كبرى جديدة كروسيا والصين، تساند الحكومة البوليفارية وتتطلع إلى الزعامة في العالم، أعماه عن فهم أنَّ واقع السياسة الدوليّة بقدر ما هو ساحة للصراع والتنافس والتعاون، فإن الرهان فيه يكون على القوة والمصلحة.
لقد علَّمنا التاريخ أنَّ الاستعمار الغربي عندما يغزو بلداً ما، فإنه يأتي بعملائه - يكونون فاسدين أكثر من أسلافهم وأميين أيضاً - لينفذوا ما يأمرهم به أسيادهم. وعندما يصل الغرب إلى مبتغاه من هذا الشخص، فإنه يلفظه كما يلفظ البحر جثت الغرقى.
يقول المستشار السابق لشؤون الأمن القومي، جون بولتون، في كتابه "الغرفة التي حدث فيها ذلك"، إنَّ الرئيس دونالد ترامب كان يصف خوان غوايدو بـ"الطفل الصغير" الذي يقود بلداً كبيراً. والأكثر دهاء من ذلك أن ترامب أعرب مؤخراً عن استعداده للاجتماع بالرئيس نيكولاس مادورو، لأنه رئيس قوي، بحسب قوله، مشيراً إلى أنه لم يعد يثق بغوايدو.
إذاً، يفهم من كل ذلك أنّ الغرب عندما يستثمر سياسياً في شخص ما، فإنه يركز على خصائصه النفسية والسلوكية والثقافية ومواطن ضعفه وقوته، حتى يسهل السيطرة عليه وتوجيهه كما يريد. وأبسط مثال على ذلك، الانقلاب الذي قادته فرنسا برئاسة جيسكار ديستان، في جمهورية أفريقيا الوسطى ضد الإمبراطور بوكاسا، في عملية أطلق عليها اسم "باراكودا"، وأتت بابن عمه دافيد داكو إلى سدة الرئاسة، وهو الذي لا يجيد كتابة بيان، لأن ثقافته محدودة، على حد وصف الضابط الفرنسي المسؤول عن العملية.
وتنطبق على خوان غوايدو، مقولة الزعيم السوفياتي الراحل نيكيتا خروتشوف: "عندما يصفّق لي الغرب، أعرف أنَّني اقترفت خطأ فادحاً". مؤدّى هذا الكلام أنَّ الغرب عندما يصفّق لشخص ما، فعليه أن يعلم أنه يسير في الاتجاه الذي يخدم مصالحه - أي الغرب - وغوايدو ارتكب جملة أخطاء بعد أن جعل نفسه دميةً في يد واشنطن.
خلاصة القول أنَّ سحب الاعتراف بغوايدو يعني اعترافاً بشرعية الحكومة البوليفارية، وأن رئيس الجمعية الوطنية السابق أصبح ورقةً محروقةً بالنسبة إلى الغرب، وأن هذه هي نهاية كل من يلبس الخيانة لبوس النضال والوطنية.